في قلب الرباط، وتحديدًا بمقر وزارة الداخلية، كان اللقاء أكثر من مجرد بروتوكول دبلوماسي عابر. الوزير عبد الوافي لفتيت استقبل نظيره الغامبي عبدولاي سانيانغ، في زيارة رسمية تحمل في طيّاتها رسائل قوية عن المستقبل المشترك بين الرباط وبانجول.
زيارة تبدأ من اليوم وتستمر حتى الحادي عشر من أبريل، لكنها مبنية على أساسٍ راسخ، مذكرة تفاهم وقّعها الطرفان في الداخلة خلال يناير الماضي، فتحت الباب واسعًا أمام شراكة أمنية تتجاوز الشعارات إلى خطوات فعلية.
الأمن.. لغة مشتركة ومصير متقاطع
خلال اللقاء، بدا واضحًا أن الجانبين لا يريدان الاكتفاء بالمجاملات الدبلوماسية. الحديث كان مباشرًا وواضحًا، يتعلق بتحديات مشتركة تتطلب تنسيقًا فعليًا، خصوصًا في مجالات الأمن العمومي ومكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية والجريمة العابرة للحدود.
كلها قضايا لم تعد تخص بلدًا دون آخر، بل تحولت إلى همّ إقليمي وعالمي مشترك. من تهريب المخدرات إلى الاتجار بالبشر، تتقاطع الخيوط وتتداخل المصالح، ما يفرض استراتيجيات جديدة وأكثر نجاعة.
تكوين وتبادل خبرات.. ومكافحة الذكاء الإجرامي
الاتفاق بين المغرب وغامبيا لم يقتصر على النوايا. تم تحديد محاور أولى، على رأسها التكوين. نعم، تكوين رجال الشرطة الغامبية في مجالات متخصصة، من الأمن الرياضي إلى مكافحة تبييض الأموال، ومن مهارات الشرطة السينوتقنية إلى تقنيات تدبير النظام العام.
بل أكثر من ذلك، سيتم تبادل الخبرات في مجالات حساسة مثل التحقيقات الجنائية وتحديد الهوية البيومترية، ما يعكس ثقة متبادلة واستعدادًا لخلق تكتل إقليمي أكثر أمانًا واحترافية.
زيارة إلى القنيطرة.. حيث تُصنع الكفاءات
ولأن الجانب العملي لا يقل أهمية، سيزور الوفد الغامبي المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، حيث سيُطّلع على أدوات التكوين المتطورة، والوحدات السينوتقنية، والتجهيزات التي تجعل من هذا المعهد منصة إنتاج لأطر أمنية على أعلى مستوى.
زيارة المعهد ليست فقط زيارة ميدانية، بل رسالة واضحة بأن التكوين الجاد هو القاعدة لأي تعاون أمني ناجح.
ما وراء البروتوكول.. أمن بإيقاع إفريقي
زيارة وزير داخلية غامبيا إلى المغرب ليست حدثًا عاديًا، بل محطة جديدة في مسار تطور العلاقات المغربية الإفريقية، خاصة أن التعاون بين البلدين يُراد له أن يكون نموذجًا إقليميًا في الفعالية والتضامن.
في زمن تتغير فيه التحديات الأمنية بسرعة، وتتشابك فيه المخاطر، لا مكان للحلول الفردية. التعاون هو السبيل الوحيد، والمغرب وغامبيا اختارا أن يسيرا فيه بثقة، وإرادة، ورؤية واضحة.