ما الذي يمكن أن يحدث عندما تجمع بين كلمة "الرقمي" و"الإصلاح" وتضعهما على باب وزارة؟
ستظن للوهلة الأولى أننا نعيش في دولة تتحضّر لاقتحام المستقبل، تُراهن على الذكاء الاصطناعي، وتبني بنية تحتية رقمية قوية تحمي المواطن قبل الإدارة.
لكن مهلاً، هذا ليس فيلمًا خياليًا. هذه وزارة مغربية حقيقية، تحمل اسمًا طويلاً أنيقًا، وإنجازات قصيرة ومعدودة... بل أحيانًا منعدمة.
ملايين تتبخر باسم التقنية
بمجرد ما تفتح دفاتر ميزانية هذه الوزارة، تحس بأنك أمام مغارة علي بابا. استثمار بالمليارات، معدات بأثمان ضخمة، أجور لا يُستهان بها، كلها تصرف سنويًا باسم "التحوّل الرقمي". لكن اسأل أي موظف بسيط في إحدى الإدارات:
هل يستطيع إنجاز وثائقه رقميًا؟
هل يشعر بتغيير حقيقي في التعامل مع المواطنين؟ الجواب يأتيك بابتسامة ساخرة وعبارة قصيرة: "كلشي مازال ورقي، وكاع ما خدامينش داكشي ديال الإنترنت".
#غيثة_مزور... وزيرة الذكاء الاصطناعي أم مسوّقة للوهم؟
لما تسلّمت غيثة مزور حقيبة الانتقال الرقمي، قيل لنا إنها قادمة من عالم آخر، من وادي السيليكون ربما، متخصصة في الذكاء الاصطناعي، ولها باع طويل في الحماية السيبرانية. انتظرنا منها الكثير، لكننا حصدنا القليل...
جدًا. فلا الذكاء ظهر، ولا الاصطناعي تم تفعيله، ولا السيبرانية حمت مواقعنا من الاختراق.
ففي عزّ هذا التطبيل الوزاري، تم اختراق بوابات حكومية بكل بساطة. ومن يفترض به أن يحمي، كان يوقّع الصفقات ويغني بشعارات رنّانة مثل "التحوّل الرقمي" و"مغرب المستقبل". لكننا في الحقيقة كنا نعود للوراء بخطى ثابتة... فقط بتقنية أعلى.
الأمن السيبراني... آخر من يعلم
كيف يمكن لدولة تصرف الملايين على الحماية الرقمية أن تُخترق بواباتها الرسمية دون مقاومة تُذكر؟ الجواب واضح، لأن الحماية كانت على الورق فقط. فالوزارة التي يُفترض بها أن تحصّن قواعد بيانات المواطن المغربي، كانت منهمكة في توقيع صفقات غامضة، وتنظيم أيام دراسية ومؤتمرات مطلية بالفراغ.
لا أحد يعلم من استفاد فعليًا من تلك الأموال. ولا أحد يعرف لماذا لا تملك إداراتنا حتى الآن نظامًا رقميًا بسيطًا لتفادي الطوابير والانقطاعات اليومية. كل ما نعرفه أن هناك أرقامًا تُكتب، وأموالاً تُصرف، وخطابات تُلقى... ثم لا شيء يحدث.
وزارة الانتقال الرقمي أم وزارة التنقّل الوزاري؟
يبدو أن هذه الوزارة لم تُخلق إلا لتكون منصة انتقال للوزراء من مقعد إلى آخر، دون إنجازات تُذكر، ودون مساءلة تُطرح. فالوزيرة غادرت اليوم بهدوء، كما دخلت بهدوء، وتركت وراءها أسئلة كثيرة عن جدوى هذه الوزارة، وأين صرفت تلك الملايين، ولماذا لم يتحقق أي إصلاح فعلي في الإدارة.
خاتمة من النوع المُر
نحن لا نحتاج وزارة جديدة بعناوين براقة. نحتاج مسؤولين يعرفون أن المواطن لا يهمه إن كانت الوزارة تحمل اسمًا متقدّمًا، بل إن كانت تخدمه بالفعل. نريد خدمات رقمية حقيقية، نريد حماية لبياناتنا، نريد إدارة تمشي إلى الأمام لا إلى الوراء بشعار "التقدم".
أما الوزارة الحالية، فهي تصلح أن تُعرض في متحف التحنيط الإداري، تحت لافتة: "هنا دُفنت آمال الرقمنة... في صفقات لا يراها أحد".