غياب الرؤية الحداثية في حزب الأصالة والمعاصرة
منذ تولي "بنت الباشا" زمام الأمور داخل حزب الأصالة والمعاصرة، غابت عن الساحة السياسية مواقف الحزب الحداثية التي كانت تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من روحه التأسيسية. أين هي تلك الانتصارات لروح العصر ولحركة "لكل الديمقراطيين"؟ يبدو أن الحزب انشغل بصراعات داخلية على حساب أهدافه التي تأسس عليها، ما أثار استياء القواعد الحزبية والمراقبين على حد سواء.
وهبي بين مطرقة الحزب وسندان الحكومة
منذ سنوات، يعيش عبد اللطيف وهبي على حافة الخروج من سفينة الحكومة. المرة الأولى حينما تخلّى عنه "البام" خلال نقاش التعديل الحكومي، والمرة الثانية حين غابت الأصوات الداعمة له في ملف مدونة الأسرة. لكن، وهبي لا يزال يشق طريقه بحذر، ويبدو أنه يعتمد أكثر على دعم أحزاب أخرى مثل الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية لتأمين موقفه، في وقت يظهر فيه "البام" وكأنه يتراجع إلى الوراء ويخشى الخروج من عباءة "الرجعية".
جلسة القصر الملكي التي قلبت الموازين
في 2024، شكّلت جلسة العمل التي ترأسها الملك محمد السادس بالقصر الملكي في الدار البيضاء لحظة فارقة في مسار نقاش تعديل مدونة الأسرة. عبد اللطيف وهبي، الذي بدا وقتها في موقف ضعيف وسط تيارات حزبية متصارعة، قدّم عرضًا مفصلًا حول التعديلات المقترحة، متحديًا كل التوقعات التي رجحت خروجه من الحكومة. هذا المشهد أعاد وهبي إلى الواجهة، وأثبت أن دعم رئيس الحكومة له كان أقوى من أي مناورة حزبية داخلية.
"بنت الباشا" وتيار كازا: لعبة المصالح والانقلابات
لكن القصة لم تنته هنا. داخل حزب الأصالة والمعاصرة، قادت "بنت الباشا" تحالفًا غريبًا مع تيار كازا بزعامة صلاح الدين أبو الغالي، وتيار مراكش، لتقويض سلطة وهبي داخل الحزب. هذا التحالف كاد أن يطيح به لولا تمسك عزيز أخنوش به في آخر لحظة خلال التعديل الحكومي الأخير. وهكذا، طار أبو الغالي، وبقي وهبي ليواصل معركة البقاء في ظل حزب يبدو أنه يفرغ نفسه من معانيه.
فضائح مستمرة... وصمت مُربك
على الطرف الآخر، تستمر لعنة الفضائح التي تطارد قيادات الحزب. تسريبات جديدة كشفت عن ملفات ثقيلة تشمل صفقات مشبوهة وأموال هُدرت باسم مشاريع ثقافية وإعلامية. من قضية نتفلكس إلى فضيحة فيلم عالمي لم يُصوَّر في المغرب، يبدو أن الحزب يضيف صفحات سوداء إلى تاريخه السياسي.
"بنت الباشا" وخسارة الرهان
إذا كان البعض قد ظن أن الحزب سيستعيد بريقه مع "بنت الباشا"، فإن الوضع الحالي يعكس العكس تمامًا. عوض أن تعيد الهيكلة، غرقت القيادة الجديدة في حسابات ضيقة وصراعات داخلية، تاركةً الملفات الكبرى مثل مدونة الأسرة ومشاكل الحكومة دون رؤية واضحة أو موقف حاسم.
البام... إلى أين؟
اليوم، حزب الأصالة والمعاصرة أمام امتحان تاريخي. هل سيظل رهينة لتناقضاته وصراعاته الداخلية؟ أم سيعيد التفكير في دوره كمحرك للحداثة والديمقراطية؟ أسئلة تطرح نفسها بشدة في ظل واقع سياسي متغير، يتطلب من كل حزب أن يكون أكثر وضوحًا وجرأة في مواقفه.
وفي النهاية، يبدو أن حزب البام يحتاج إلى وقفة مع الذات قبل أن يسير في طريق لا عودة منه، حيث تصبح شعارات الحداثة والديمقراطية مجرد ذكرى من الماضي البعيد.
