قرار مثير أمام أعين الرأي العام
في خطوة لم تخلو من جدل، أصدرت المحكمة الابتدائية بالرباط اليوم حكمًا بالسجن النافذ على الصحفي حميد مهدوي، مدير نشر موقع "بديل"، لمدة سنة ونصف، مع إلزامه بتعويض مالي ضخم يصل إلى 150 مليون سنتيم لصالح وزير العدل، عبد اللطيف وهبي.
القرار أثار تساؤلات عميقة في الأوساط الإعلامية والسياسية حول حرية التعبير، وحدود النقد العلني، وحقوق المسؤولين في حماية سمعتهم.
بين حرية الصحافة وحدود القانون
الصحفي حميد مهدوي، المعروف بآرائه الجريئة وتناوله لقضايا حساسة، وجد نفسه متابعًا بتهم ثقيلة تتعلق بـ "بث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة من أجل التشهير بالأشخاص، القذف، والسب العلني".
وحسب وثيقة الاستدعاء، اعتمدت المحكمة على مواد قانونية من القانون الجنائي، تحدد بوضوح العقوبات التي تترتب على من يثبت ارتكابهم لمثل هذه الجرائم. إلا أن العديد من المتابعين يرون أن القضية لا يمكن أن تُختزل فقط في تفاصيل قانونية، بل هي جزء من صراع أكبر بين الصحافة والسلطة.
تعويض بملايين الدراهم: العقوبة المالية المبالغ فيها؟
إلزام الصحفي مهدوي بتعويض مالي ضخم لصالح وزير العدل أثار نقاشًا واسعًا، حيث طالب دفاع وهبي بتعويض قدره مليار سنتيم (10 ملايين درهم).
القرار النهائي من المحكمة بتحديد مبلغ التعويض في 150 مليون سنتيم يعكس توجهًا صارمًا، يرى فيه البعض رسالة تهديد لكل من يحاول أن يرفع صوته بالنقد، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمسؤولين حكوميين. السؤال الذي يطرحه البعض هنا: هل باتت التعويضات الضخمة وسيلة لتقييد حرية الصحافة وتخويف الصحفيين؟
مهدوي بين التحدي والمصير
بالنسبة لحميد مهدوي، الذي بنى سمعته على جرأة كلمته وقدرته على اختراق قضايا شائكة، يبدو هذا الحكم بمثابة نقطة تحول. البعض يراه ثمنًا باهظًا يدفعه نتيجة لمواقفه الصريحة التي لم ترق لكثيرين، بينما يراه آخرون تحديًا جديدًا سيواجهه بثبات.
الأيام القادمة ستكشف مدى تأثير هذا الحكم على مهدوي وعلى طبيعة ممارسته للعمل الصحفي في المستقبل، وكذلك على زملائه الصحفيين الذين قد يجدون أنفسهم تحت ضغط أكبر لتفادي الصدام مع السلطة.
حرية التعبير بين مطرقة القانون وسندان السلطة
القضية تفتح الباب واسعًا للنقاش حول حدود حرية التعبير في المغرب. ففي الوقت الذي يعتبر فيه البعض أن الصحفيين يجب أن يتحلوا بمسؤولية كبيرة عند تناول شخصيات عامة وانتقادهم، يرى آخرون أن الصحافة الحرة يجب أن تبقى بعيدة عن أي ضغوطات تعيق دورها الأساسي في مراقبة عمل السلطة وكشف الفساد.
قضية حميد مهدوي تضعنا أمام تساؤل جوهري: هل يمكن للصحافة أن تظل سلطة رابعة مستقلة في ظل قوانين تُقيدها وقرارات قضائية تُخضعها؟
أصوات داعمة للمهدوي ونداءات للتحرر من القيود
ما إن انتشر خبر الحكم على مهدوي حتى تهاطلت ردود الفعل المنددة من عدد من الصحفيين والنشطاء، الذين عبروا عن تضامنهم معه، معتبرين أن هذه الخطوة تأتي ضمن مسلسل التضييق على الحريات الصحفية.
البعض رأى في الحكم رسالة تحذير لكل من يريد الاقتراب من "الخطوط الحمراء"، بينما اعتبر آخرون أن الوضع يحتاج لإعادة النظر في القوانين التي تحكم مجال الإعلام، بما يضمن حق الصحفيين في ممارسة عملهم بحرية دون خوف من عقوبات قاسية.
بين قانون يحد وحاجة إلى الإصلاح
في نهاية المطاف، قضية حميد مهدوي ليست مجرد حكم بالسجن أو غرامة مالية، بل هي مؤشر على ضرورة التفكير في واقع الصحافة بالمغرب، وحدود الحرية، والأدوات القانونية التي تُستخدم لضبط الخطاب الإعلامي. ومع تصاعد الأصوات المطالبة بالإصلاح، يبقى السؤال:
هل ستتم مراجعة قوانين الصحافة بما يوازن بين احترام الشخصيات العامة وحماية حرية التعبير، أم أن الأوضاع ستظل تراوح مكانها، في ظل توتر دائم بين الصحافة والسلطة؟