تخفيض ميزانية هيئة النزاهة..هل تُحارب الحكومة الفساد أم تُحارب من يحاربه؟

 

في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات، قررت الحكومة تقليص ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بحوالي 60 مليون درهم. القرار، الذي يرفع حاجب الدهشة، يأتي في وقت تُحاصر فيه التقارير الاقتصادية الحكومة بتقديرات صادمة عن تأثير الفساد على الاقتصاد الوطني، والتي تصل إلى 50 مليار درهم سنويًا.


حرب على الفساد أم على من يحاربه؟


الخطوة الحكومية تخبرنا أكثر مما يبدو للوهلة الأولى. الهيئة، التي تُفترض أنها رأس الحربة في مواجهة الفساد، وجدت نفسها ضحية لقرار يمس أهم أداة لديها: الميزانية. فهل تُريد الحكومة أن تقول لنا شيئًا من بين السطور؟ أم أنها ببساطة وجدت في الهيئة مصدرًا "مناسبًا" لتوفير المال لتمويل قطاعات أخرى؟


الخلاف بين الهيئة والحكومة.. هل كانت التقارير "قوية" أكثر من اللازم؟


لا يمكن فصل هذا التخفيض عن التقرير الأخير الذي أعدته الهيئة، والذي اتهم الفساد بـ "سرقة" 50 مليار درهم سنويًا من الاقتصاد الوطني. الحكومة، بدل أن تعزز دعمها للهيئة لمحاربة هذه الآفة، اختارت أن تُضعفها ماليًا. هل الأمر مجرد تقشف بريء؟ أم أن الهيئة دفعت ثمن جرأتها في تسليط الضوء على أرقام محرجة؟


النزاهة لا تحتاج المال.. أليس كذلك؟


يبدو أن الحكومة تعتقد أن محاربة الفساد لا تحتاج إلى ميزانية ضخمة، بل ربما يكفي خطاب أو اثنان، وبعض اللجان الرمزية التي تُصدر توصيات لا تُطبق. ولكن، إذا كانت الهيئة عاجزة ماليًا عن توسيع عملياتها وتحقيقاتها، فكيف يمكنها أن تؤدي دورها؟ أم أن المطلوب هو هيئة صامتة تُظهر للحظة أنها موجودة، دون أن تزعج أحدًا؟


مفارقة الأرقام.. الفساد يُكلف الملايين والهيئة تُحرم منها


الأمر الذي لا يُمكن تجاهله هو هذه المفارقة السخيفة. الفساد يُهدد الاقتصاد الوطني بأرقام فلكية، والهيئة المكلفة بمواجهته تجد نفسها تتعرض للتقليص المالي. هل نحن أمام نموذج سياسي جديد؟ حيث يتم "التوفير" على حساب أهم مؤسسات الشفافية؟


من المستفيد؟ ومن المتضرر؟


عندما تُضعف الهيئة الوطنية للنزاهة، فإن المستفيد الأول هم رموز الفساد الذين يرتاحون لغياب الرقابة. أما المتضرر، فهو الاقتصاد الوطني والمواطن البسيط الذي يدفع ثمن الرشوة والاختلاس في كل خدمة تُقدم له.


ماذا بعد؟ أم أن الرسالة وصلت؟


إذا كانت الحكومة تعتقد أن تقليص ميزانية الهيئة سيمر دون مساءلة، فإنها تُراهن على ضعف الذاكرة الشعبية. لكن الرسالة واضحة: الفساد ليس على رأس أولويات الحكومة، ومكافحته ليست سوى شعار يُستخدم عند الحاجة.


الفساد يُقاوم.. فهل ستقاوم الهيئة؟


بينما تسير الأمور بهذا الشكل، يبقى السؤال: هل ستستطيع الهيئة العمل بميزانية مخفضة في ظل هذا المناخ؟ أم أننا نشهد بداية النهاية لمؤسسة كان يُفترض أن تكون حارسًا على نزاهة المال العام؟


ما يحدث هو نموذج واضح لما يمكن أن نُسميه "محاربة الفساد على الورق". لأن الواقع يقول إن الهيئة تُحاصر ماليًا، بينما الفساد يواصل سرقة البلاد بلا أي مقاومة حقيقية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال