إضراب أطباء القطاع العام.. هل الصحة العامة مجرد شعار فارغ؟

 


ثلاثة أيام من الإضراب.. والمستشفيات شبه مشلولة

أطباء القطاع العام قرروا هذه المرة أن يقولوا "كفى" بشكل صريح ومباشر. إضراب عام يمتد لثلاثة أيام يعكس حجم الاحتقان الذي يعيشونه يوميًا داخل منظومة صحية أصبحت أشبه بسفينة تغرق ببطء. باستثناء أقسام المستعجلات والإنعاش، توقفت عجلة المستشفيات عن الدوران، تاركة المرضى بين خيارين أحلاهما مر: الانتظار أو التوجه إلى القطاع الخاص حيث العلاج مكلف لدرجة الاستنزاف.


اتفاق يوليوز.. اتفاق أم فخ جديد؟


النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام كانت واضحة في موقفها من اتفاق يوليوز 2024. الاتفاق الذي رُوّج له كحل للأزمة، لم يكن سوى خطوة أخرى لتعقيد الوضع. النقابة رفضت التوقيع، واعتبرته استهدافًا مباشرا لحقوق الشغيلة الصحية، خاصة الأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان. يبدو أن هذا الاتفاق لم يأتِ بحلول بقدر ما زاد الطين بلة، مُعطيًا الضوء الأخضر للتراجع عن المكتسبات التي تحققت بشق الأنفس.


الاحتقان يزداد.. والحكومة في وادٍ آخر


إذا كان هناك شيء يُجمع عليه الأطباء، فهو أن الحكومة تعيش في عالم موازٍ تمامًا. مطالب الشغيلة الصحية واضحة: تحسين الأوضاع المهنية، ضمان بيئة عمل تليق بمهنة الطب، واحترام حقوق الأطباء. لكن يبدو أن الحكومة اختارت الاستمرار في نهج التجاهل وكأن الأزمات تُحل بالتمني.


المريض.. الضحية الدائمة في المعادلة


كما هو الحال دائمًا، يبقى المريض هو الحلقة الأضعف. الإضرابات، رغم مشروعيتها، تزيد من معاناة المواطنين الذين يعتمدون على القطاع العام للحصول على أبسط خدمات الرعاية الصحية. في ظل هذا الوضع، تتحول المستشفيات من ملاذ آمن إلى فضاء خالٍ من الأطباء والممرضين، تاركة المرضى في مواجهة مصير مجهول.


قطاع الصحة.. إصلاحات على الورق فقط


الحكومة تُحب الحديث عن "الإصلاحات الهيكلية" للقطاع الصحي. لكن الواقع يقول غير ذلك. الأطباء يعملون في ظروف كارثية، المستشفيات تفتقر إلى التجهيزات الأساسية، والميزانيات تُصرف دون أن يظهر لها أثر حقيقي على الأرض. وكأن القطاع الصحي محكوم عليه بالعيش بين الوعود الفارغة والقرارات المرتجلة.


من المسؤول؟ وأين الحل؟


السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن: إلى متى ستظل الحكومة تراوغ بدلاً من اتخاذ قرارات جريئة لإصلاح القطاع الصحي؟ الأطباء يحتاجون إلى أكثر من الوعود، يحتاجون إلى رؤية واضحة تنصفهم وتعيد لهم كرامتهم المهنية. أما المرضى، فهم بحاجة إلى نظام صحي يضمن لهم حقوقهم دون أن يدفعوا ثمن الخلافات.


إضراب اليوم.. رسالة أم إنذار؟


الإضراب الحالي ليس سوى صرخة من الأطباء بأن الوضع لم يعد يُحتمل. لكن هل ستصل هذه الصرخة إلى أذن صاغية؟ أم أن الحكومة ستستمر في تجاهلها المعتاد، تاركة الأزمة تتفاقم حتى تصل إلى نقطة اللاعودة؟


ما يحدث في قطاع الصحة لا يتعلق فقط بحقوق الأطباء، بل بمصير وطن بأكمله. لأن الصحة ليست مجرد قطاع، بل هي عمود أساسي لأي مجتمع يحترم نفسه.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال