بلاغ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: تهديدات بدون معنى وتخبط في التعامل مع الفضائح


عندما أُثيرت قضية تسريب المعطيات الشخصية الحساسة التي طالت شخصيات بارزة في المغرب، كانت الأنظار تتجه صوب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي باعتباره المعني الأول بحماية هذه المعطيات. لكن، بدلًا من أن يأتي الرد شافيًا مطمئنًا للجمهور ويعكس مستوى من الجدية والمسؤولية، فوجئنا ببلاغ غريب عجيب يفتقر إلى الشفافية والوضوح، بل ويشوبه تهديد مبطن أكثر من أي شيء آخر.

بلاغ مليء بالغموض… والجميع في حالة حيرة

محرر البلاغ، الذي يبدو أنه لم يكن في أتم وعيه وهو يكتب هذه الكلمات، تحدث بلغة غامضة تكاد تقول الشيء ونقيضه. فبينما كان الرأي العام المغربي في حاجة إلى شرح واضح حول كيفية تسريب هذه البيانات وأسباب حدوث ذلك، جاء البلاغ ليضع الجميع في دائرة من الحيرة. بل كان أبلغ من ذلك، لغة التهديد التي وردت فيه، والتي تقصد كل من قام بنشر هذه التسريبات. كيف يمكن أن تتعامل مع فضيحة بهذا الحجم بهذه الطريقة؟ أليس من الأولى أن تطمئن الناس إلى أن هذه البيانات لن تتسرب مجددًا؟ أو على الأقل تعتذر عن الخطأ الفادح الذي وقع؟

تهديدات فارغة ومسؤولية مفقودة

ورغم أن هذه التسريبات كانت قد انتشرت في جميع أنحاء العالم، وأصبحت قضية عامة معروفة للجميع، إلا أن بلاغ الصندوق لم يكتفِ فقط بالتهديد، بل استمر في "التهويل" من تداعيات ما وقع. بلاغ لم يعتذر للمغاربة، بل وكأنما يقف ليؤكد لهم أن المسؤولية تقع على عاتق كل من نشر هذه التسريبات، ويقول لهم بصوت عالٍ "أنتم من يتحملون المساءلة القانونية". وكأننا نحن من تسببنا في تسريب البيانات، وكأننا من أخذنا مناصبهم وأجرينا اختراقات في قواعد بياناتهم!

المسؤولية تقضي بالاعتذار، ولكن أين الاعتذار؟

المدير الذي يتحمل المسؤولية على رأس هذا الصندوق، والذي يتقاضى أجرًا مرتفعًا في وقت يتقاضى فيه غالبية الشعب أقل من الحد الأدنى، لم يظهر بمستوى الثقة التي وضعتها فيه الدولة لحماية المعطيات الشخصية للمواطنين. بل كان عليه أن يتقدم باعتذار علني للمغاربة. كان عليه أن يعترف بتقصيره، وأن يطمئن الجميع أنه سيعمل على حماية بياناتهم في المستقبل.

لكن بدلاً من الاعتذار، وجدنا أمامنا شخصًا يختبئ وراء بلاغات ركيكة تهدد المواطنين بدلاً من معالجة الخلل. لا يمكن أن تضع شخصًا في موقع مسؤولية بهذه الحساسية، ثم تعطيه حصانة من المحاسبة. الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ليس مجرد مؤسسة تقوم بتقديم الخدمات، بل هو كيان يجب أن يضمن حماية معطيات الناس الشخصية.

الهروب إلى الأمام: لماذا لا يستقيلون؟

النظرة المنطقية تفرض أن يقوم مدير الصندوق ومن معه بتقديم استقالاتهم الفورية. فالمؤسسة تحت قيادتهم فشلت فشلًا ذريعًا في مهمتها الأساسية، وهي الحفاظ على سرية البيانات وحمايتها. لا يمكن أن نقبل بأن يتم تبرير الفشل بهكذا بلاغات فارغة. الهروب إلى الأمام لم يعد خيارًا، بل هو اعتراف بالفشل والتقصير. كان الأجدر بهم أن يتخذوا قرارًا شجاعًا بترك مواقعهم وتقديم اعتذار حقيقي للشعب بدلًا من العيش في وهم أنهم يمكنهم تمرير هذه الكوارث بهذه الطريقة المزرية.

الواقع المُر: لا مكان لطمأنة الجمهور في مثل هذه المواقف

الواقع أن ما حدث كان بمثابة ضربة قاصمة للمغاربة الذين وضعوا ثقتهم في هذه المؤسسة. التسريبات التي حصلت لم تكن مجرد حادث عابر، بل كانت بمثابة قنبلة موقوتة انفجرت في وجه الجميع. والأمر الذي يزيد الطين بلة هو الطريقة التي تم التعامل بها مع الأزمة، التي كانت أكثر تعقيدًا مما تصوره البلاغ. المغاربة كانوا في حاجة إلى إجابات شافية، لكن بدلاً من ذلك، وجدوا أنفسهم أمام تهديدات جوفاء، ولم يجدوا ما يطمئنهم أو يعيد لهم الثقة في مؤسسة من المفترض أن تحميهم.

إذا كانت المؤسسات الحكومية تتوقع من المواطنين أن يثقوا في قدرتها على حماية بياناتهم وحياتهم الخاصة، فإن أول خطوة نحو ذلك هي الاعتراف بالخطأ.

 والاعتراف يعني الاعتذار، والاعتذار يعني احترام المسؤولية. لكن مع الأسف، يبدو أن هذه المؤسسة قد اختارت بدلاً من ذلك أسلوب الهروب إلى الأمام، مما يزيد من الارتباك والقلق في نفوس المواطنين.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال