في بلاد العجائب الرقمية، لا يحتاج القراصنة إلى جواز سفر ولا حتى مفتاح مرور… المواقع الرسمية مفتوحة على مصراعيها، والأنظمة المعلوماتية تشكو إلى الله من الإهمال، أما من يُفترض أنهم "حرّاس السيادة الرقمية"، فإما في صمت مطبق أو في صلة رحم عائلية بين المسؤولية والقرابة!
ما جرى من هجمات سيبرانية استهدفت وزارة الشغل، وصندوق الضمان الاجتماعي، واللجنة الوطنية لحماية المعطيات، ليس مجرد اختراق تقني، بل فضيحة وطنية تكشف حجم الهشاشة التي نعيشها وسط ملايين الدعايات عن الرقمنة والتحول الرقمي.
المضحك المبكي؟ أن وزيرة الانتقال الرقمي السيدة أمل الفلاح السغروشني، التي وقعت ذات يوم اتفاقية مع اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية… التي يرأسها زوجها عمر الشغروشني!، لم تكلف نفسها إصدار حتى بلاغ توضيحي حول ما جرى. هل يُعقل هذا؟ أين الشفافية؟ أين التواصل؟ أين المساءلة؟
نعم، في عهد الوزيرة السابقة وُضعت خطط وطُبعت برامج وقُدمت عروض حول "حماية المعطيات الشخصية". تم صرف الملايين في المؤتمرات والتظاهرات والعروض البصرية الجميلة. لكن عندما ضرب "الهاكرز" في القلب، وجدنا أنفسنا بلا درع، بلا خطة طوارئ، بل حتى بلا كلمة.
ما فائدة وزارة ميزانيتها تفوق ملياراً ونصفاً من الدراهم، ومعداتها تتجاوز ملياراً آخر، إذا كانت غير قادرة على حماية أبسط موقع حكومي؟ ما فائدة كل هذا الاستثمار، إذا كان الأمن الرقمي في المغرب اليوم مجرد شعار يتيم؟
وحتى السيد عمر الشغروشني، الذي يجمع بين رئاسة لجنتين من أخطر اللجان في هذا المجال، لم يُخرج تقريراً واحداً يطمئن المغاربة، أو على الأقل يوضح ما إذا كنا نعيش على حافة الكارثة أو داخلها!
الخطر اليوم ليس في أن يُخترق موقع أو تُسرب قاعدة بيانات… الخطر هو أن نعتاد على هذا، ونمر عليه مرور الكرام، وكأنه لم يكن، لأن العادة تُميت الإحساس، ولأننا شعبٌ أرهقه التبرير والتماطل والصمت.
لا نطلب المعجزات، فقط نريد من يتحمل مسؤوليته، من يحترم ذكاءنا، من يخرج للناس بكلمة، بموقف، بخطة… أو على الأقل، بـ "قلبٍ حي".
