الرباط تُحرّك الرقعة: أول دوري دولي جامعي للشطرنج ينهي جولاته بانتصار للذكاء والتنظيم

 



في زمن تُخطف فيه الأضواء من الفكر، وتُحاصر فيه العقول داخل مستطيلات اللهو السريع، اختارت الرباط أن تُشعل شمعة بدل أن تلعن الظلام. كيف؟ بتنظيمها لأول دوري دولي جامعي للشطرنج (ISMAGI) من قلب المعهد العالي للإدارة وهندسة المعلوميات، حيث تحوّل الحرم الجامعي من 17 إلى 20 أبريل 2025، إلى قلعة فكرية نابضة بحركات "البيادق" ونفَس المنافسة.

لكن الحدث لم يكن مجرد بطولة عادية. كان احتفالًا أنيقًا بالعقل، وتحية وفاء للبطل العالمي أناطولي كاربوف، بمناسبة الذكرى الخمسين لتتويجه بطلاً للعالم في الشطرنج سنة 1975. كاربوف، الصديق الوفي للمغرب، كان حاضرًا معنويًا في كل زاوية، وكل نقلة، وكل تكتيك على الرقعة.


شطرنج... ولكن بمذاق جامعي

تحت شعار "الشطرنج دعامة للتكوين والنجاح بامتياز"، رمى المعهد المنظم حجره في بركة راكدة، محاولًا أن يُعيد الاعتبار للعبة فكرية نبيلة، لطالما اختطفها الزمن لصالح الشاشات. أكثر من مئة طالب وطالبة من المغرب، ومن دول إفريقية وأوروبية، توافدوا للمشاركة، محترفين وهواة، شبابًا يعشقون ما تسميه الكتب "لعبة الملوك"، ويعرفه الطلبة بلغة اليوم بأنه تحدٍّ على أعلى مستوى.

دوري ISMAGI لم يكن فقط مناسبة للمنافسة، بل محطة لبناء الجسور، والتقاء العقول، وصقل المواهب في ساحة ذهنية لا تعترف لا بالفوارق الجغرافية ولا اللغوية، بل بقوة التخطيط وسرعة البديهة.




العيساوي... كلمة بحجم رؤية

رئيس المعهد السيد عبد الله العيساوي، لم يُخفِ حماسه الكبير لهذا الحدث. في تصريح للصحافة، وصف الشطرنج بأنه أداة تكوين بامتياز، وأن مؤسسته تسعى لجعل من هذا الدوري حدثًا سنويًا يعيد الاعتبار للفكر داخل الجامعة المغربية.

"الشطرنج ماشي غير لعبة، الشطرنج مدرسة"، هكذا قالها العيساوي بافتخار، وهو يراهن على أن رقعة 64 مربعا قادرة على إنجاب أجيال قادرة على التفكير، والتخطيط، وربح الحياة قبل ربح الكأس.

كما أشار إلى الحضور القوي للإعلام الرقمي، حيث تم بث أطوار الدوري عبر مواقع متخصصة يتابعها الملايين، مما أضفى على الحدث طابعًا دوليًا حقيقيًا، وجعل الرباط قبلة لمحبي الشطرنج من وراء الشاشات أيضًا.


تنظيم يُضرب به المثل... وجوائز تسيل اللعاب

الدوري نُظم وفق الطريقة السويسرية في 11 جولة، بسرعة لعب 15 دقيقة مع إضافة 10 ثوانٍ لكل نقلة. خلف الستار، كان الحكم الدولي عبد الحفيظ العمري يُدير الرقعة بكفاءة، فيما الجوائز النقدية والرمزية زادت من حدة المنافسة.

ومن بين الفائزين، تألق اسم ياسر الحاج الخلطي الذي توج بكأس البطولة الرئيسية، متقدمًا على محمد الرامي والعلوي البلغيتي ياسين، في حين تميزت مخلوف أحلام في فئة "مبادرة المرأة"، لتُثبت أن السيدات أيضًا قادرات على كسر الحواجز والسيطرة على الرقعة.


الرباط... عاصمة جديدة للشطرنج الجامعي؟

كل ما جرى خلال أربعة أيام، لم يكن مجرد تجربة أولى، بل إعلان نية. نية لتحويل الرباط إلى عاصمة للشطرنج الجامعي في إفريقيا والعالم العربي. وهذا ما أكده القائمون على المعهد، حيث يسعون لجعل الدوري إرثًا سنويًا يحتفى به، وموعدًا ينتظره الطلبة من مختلف الدول بشغف.

ولعلّ أجمل ما في هذه التجربة، ليس الجوائز، ولا التكريم، بل تلك اللحظة التي يجلس فيها شاب إفريقي بجوار طالبة مغربية، قبالة طالب أوروبي... والكل يتحدث لغة واحدة: الشطرنج.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال