هشام جيراندو.. بهلوان السياسة الذي سقط من على الحبل



 هشام جيراندو.. بهلوان السياسة الذي سقط من على الحبل

حين تصبح المبادئ مثل الملابس المستعملة

هناك أشخاص يعيشون على هامش التاريخ. وهناك من يحاولون إعادة كتابة أنفسهم في كل مرة يتغير فيها الطقس السياسي. هشام جيراندو واحد من هؤلاء. الرجل الذي ظل سنوات يصرخ من وراء الشاشة، يوزع الاتهامات ذات اليمين وذات الشمال، يلبس عباءة "المعارضة النقية" ويقدم نفسه على أنه ضمير الأمة. فجأة، وبدون مقدمات، يتحول إلى شخص آخر. يبدل جلده السياسي كما يبدل قميصه، ويلبس ثوب الوطنية كأن الماضي قد مُسح من ذاكرة الجميع.

جيراندو الجديد.. نسخة محدثة بلا مصداقية

اليوم، يطل علينا هشام جيراندو في نسخته الجديدة. أقل صراخًا، أكثر هدوءًا، يحاول ارتداء قناع الوطني الغيور الذي يريد تصحيح المسار. لكن المشكلة أن ذاكرة المغاربة ليست قصيرة كما يظن. فالرجل الذي كان يطعن في كل شيء مرتبط بالمؤسسة الملكية ويشكك في الدولة، لا يمكنه أن يقفز فجأة إلى ضفة المصلحين دون أن يُسأل: ماذا تغير؟ هل أدرك فجأة أن الدولة ليست شيطانًا كما كان يصورها؟ أم أن اللعبة انتهت والخروج من الملعب صار ضرورة؟

الارتزاق السياسي.. حين تصبح المعارضة مهنة

ليس سرًا أن بعض "المعارضين" يمارسون السياسة كما يمارس البعض التجارة. اليوم يبيعون خطابًا ثوريًا، وغدًا يسوقون بضاعة الوطنية. المهم أن يبقوا في المشهد، أن يظلوا موضوع حديث الناس، ولو عبر تناقضاتهم الفجة. جيراندو لم يكن أبدًا معارضًا حقيقيًا. كان مجرد تاجر شعارات، وعندما انكشف زيف خطابه وأدرك أن الشعب لم يعد يصدقه، قرر أن يجرب دورًا جديدًا: دور المصلح العائد إلى جادة الصواب.

ذاكرة المغاربة ليست للبيع

المشكلة الكبرى التي تواجه جيراندو الآن ليست في محاولاته الفاشلة لإعادة تلميع صورته، بل في كونه يظن أن المغاربة ينسون بسهولة. يظن أن فيديو جديدًا بصوت هادئ وكلمات منمقة سيجعل الجميع ينسى ماضيه التحريضي. لكن الذاكرة الرقمية لا ترحم، والأرشيف لا يختفي. فكيف يمكن لمن قضى سنوات يهاجم الوطن أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى مدافع عنه؟ وكيف يمكن لمن بنى كل رصيده السياسي على التهجم على الثوابت أن يقنعنا اليوم بأنه رجل دولة؟

حين يسقط القناع.. لا يبقى إلا الوجه الحقيقي

هشام جيراندو اليوم مجرد رجل يبحث عن موطئ قدم بعدما احترقت كل الجسور التي بناها بشعاراته الجوفاء. مشكلته ليست مع الدولة، بل مع الزمن الذي كشف حقيقته. وكل محاولاته للعودة إلى المشهد ليست سوى رقصة أخيرة قبل أن يُسدل الستار على فصل آخر من فصول البهلوانية السياسية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال