عندما تتحول البيانات الرسمية إلى خطب رنانة
كلما اجتمعت الأغلبية الحكومية، انهمرت علينا البيانات والتصريحات كالمطر، مليئة بالكلمات الكبيرة التي تُشيد وتُثني وتُطَمئن، لكنها في الواقع لا تفعل شيئًا سوى إعادة تدوير نفس الخطاب المُستهلك. بيان هيئة رئاسة الأغلبية الأخير لم يكن استثناءً، بل نموذجًا آخر للغة سياسية تملأ الفراغ دون أن تملأ بطون الجياع أو جيوب الفقراء.
التصفيق للإنجازات الوهمية
البيان يزفّ إلينا بشرى "النتائج الإيجابية" التي حققتها الحكومة، ويتحدث عن "ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية" وكأن المواطن المغربي يعيش في رفاهية لا تضاهى. الواقع يصرخ بشيء آخر تمامًا، الأسعار تواصل الارتفاع، الفقر يزداد عمقًا، والفوارق الاجتماعية تتسع كجرح لا يلتئم. فأي دولة اجتماعية هذه التي لا يرى المواطن أثرها في معيشته اليومية؟
فلسطين بين الدبلوماسية والاستعراض
لا يمكن لأي بيان رسمي أن يتجاهل قضية فلسطين، فهي ورقة رابحة لربح النقاط الشعبية. البيان يشيد بالدور الريادي الذي يقوم به المغرب في دعم الفلسطينيين، لكنه لا يخرج عن حدود الدبلوماسية المعتادة. فماذا تغيّر على الأرض؟ هل توقف الاحتلال؟ هل استعاد الفلسطينيون حقوقهم؟ أم أن الدعم يظل مجرد كلمات نرددها في كل مناسبة دون تأثير فعلي؟
مدونة الأسرة و"الإنصات" المشروط
الحكومة تتحدث عن مراجعة مدونة الأسرة وكأنها فتحت أبواب الحوار الحقيقي، لكن الحقيقة أنها تضع يدها على أذنيها حين يتعلق الأمر بمطالب مجتمعية تزعجها. تتحدث عن الإصلاح بروح "التوافق" لكنها في الوقت نفسه تحاول إفراغ النقاش من محتواه الجوهري. أي إصلاح هذا الذي لا ينبع من تفاعل حقيقي مع المجتمع بل من قرارات فوقية جاهزة؟
انسجام الأغلبية أو مسرحية الوحدة
البيان يطمئننا أن الأغلبية الحكومية تعيش في وئام تام، وأن التناسق بين مكوناتها في أبهى صوره، وكأننا لا نعلم أن الخلافات الداخلية تُطبَخ على نار هادئة وأن الصراعات الحزبية تختمر وراء الكواليس. المواطن لا تهمه هذه المسرحيات السياسية، بل يريد أفعالًا واضحة على أرض الواقع.
ما لم يقله البيان
كل هذه العبارات المنمقة لم تقترب ولو خطوة من هموم المواطن الحقيقية. لم يشرح لنا البيان لماذا يعاني الشباب من البطالة في ظل كل هذه "الاستراتيجيات الطموحة" ولم يوضح كيف ستواجه الحكومة أزمة الماء والطاقة التي تتفاقم. لم يتطرق إلى الاحتقان الاجتماعي الذي يتزايد يومًا بعد يوم. فمتى ستتوقف الحكومة عن التلاعب بالكلمات وتبدأ في تقديم إجابات حقيقية؟