قرية إيكولوجية في مهب العراقيل الإدارية: أحلام الجالية المغربية على المحك



الجالية المغربية.. من الحلم بالاستثمار إلى مواجهة العقبات

الجالية المغربية المقيمة بالخارج، تلك الشريحة التي تحمل الوطن في قلبها رغم المسافات، تعود كل سنة بأفكار ومشاريع طموحة تسعى لإحداث تغيير حقيقي على أرض المملكة. لكن، بدل أن تجد الأبواب مفتوحة، غالبًا ما تصطدم بجدران بيروقراطية سميكة تجعل الحلم بالاستثمار كابوسًا معقدًا. مشروع القرية الإيكولوجية السياحية بواد الشراط، بإقليم بنسليمان، هو أحد تلك المشاريع التي تحولت من فرصة لتنمية المنطقة إلى معركة شاقة مع العراقيل الإدارية.

مشروع طموح.. لكن العوائق أقوى

تخيل قرية إيكولوجية تجمع بين الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة، مشروع يحمل رؤية جديدة تجمع بين السياحة الصديقة للطبيعة وفرص الشغل للشباب، ويعد بجعل المغرب نموذجًا يحتذى به. شباب الجالية المغربية التقطوا الإشارة الملكية للاستثمار في وطنهم، ووضعوا فكرة هذا المشروع على الطاولة، مستعدين لمواجهة التحديات بروح التفاؤل. لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا.

رغم أن المشروع قدم بشكل احترافي وأُدخلت عليه تعديلات كثيرة لتلبية متطلبات الإدارات المعنية، إلا أن الردود الإدارية ظلت محبطة وغير مبررة. النادي المغربي للمستثمرين بالخارج قدم ملفًا متكاملًا، خضع لتعديلات جذرية بناءً على ملاحظات اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار. حتى مساحة المشروع تم تقليصها بشكل كبير، وارتفعت كلفة الاستثمار لتحسين الجودة وتلبية المعايير. ومع ذلك، بقي الرد غير مفهوم، وسط قرار مقتضب لا يقدم تعليلًا.

قرارات دون شفافية.. من المسؤول؟

الغريب أن المشروع نال إعجاب عامل الإقليم عند تقديمه أول مرة، وتم وصفه بأنه "عش المغاربة"، مما يعكس مدى أهميته وقيمته. لكن الانتقال من الإعجاب إلى التنفيذ اصطدم بقرارات اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار، التي ظلت تؤيد رفضها دون تقديم أسباب واضحة. كيف يمكن لمشروع يتوفر على دعم محلي وتنموي أن يتم تعطيله بهذا الشكل؟ من المسؤول عن إحباط هذه المبادرات التي تساهم في خلق فرص العمل ودعم الاقتصاد الوطني؟

رسائل تتحدث بصوت الغاضبين

المستثمرون لم يبقوا مكتوفي الأيدي. رسائل وجهت إلى أعلى المستويات، منها وزير الاستثمار ووزارة الخارجية. الرسائل تحمل مطالب واضحة: فتح تحقيق في أسباب التعثر، وإنصاف مغاربة الخارج الذين يضعون ثقتهم في وطنهم. الجالية المغربية بالخارج تتساءل: كيف يمكن تحقيق الرؤية الملكية لتسهيل استثماراتها إذا ظلت العراقيل الإدارية تعترض طريقها في كل محطة؟

بين الوعود والتنفيذ.. متى تنتهي الفجوة؟

التصريحات الرسمية تتحدث عن دعم استثمارات الجالية، عن تسهيل الإجراءات، وعن إزالة العقبات. لكن الواقع يحكي قصة أخرى. هناك فجوة عميقة بين الوعود والتنفيذ، بين الرؤية والطريقة التي تتعامل بها بعض الإدارات مع هذه المشاريع. قرية إيكولوجية، بمفهومها التنموي الجديد، كان يمكن أن تكون نموذجًا يحتذى به في باقي مناطق المغرب، لكنها أصبحت عنوانًا آخر للتعثر الإداري.

الأمل لا ينطفئ.. لكن الصبر له حدود

ورغم كل التحديات، يظل الأمل موجودًا. الأمل في أن يجد هذا المشروع النور وأن يُصبح نموذجًا يحتذى به، ليس فقط في إقليم بنسليمان، بل على مستوى المملكة بأكملها. الجالية المغربية مستعدة للاستثمار والبناء والمساهمة في تنمية بلدها، لكن الكرة الآن في ملعب الجهات المسؤولة. إلى متى سيستمر هذا التعثر؟ وهل هناك إرادة حقيقية لتغيير هذه العقلية؟

مشروع القرية الإيكولوجية ليس مجرد استثمار، بل هو انعكاس لرغبة أبناء الجالية في تقديم شيء حقيقي لوطنهم. ولكن إذا استمرت العراقيل الإدارية على هذا النحو، فإن هذا الحلم قد يتحول إلى رسالة إحباط تصل إلى باقي أفراد الجالية في الخارج. وختامًا، متى يدرك المسؤولون أن تسهيل الاستثمار ليس فقط خيارًا، بل ضرورة تنموية؟

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال