الوزير المهدي بنسعيد و"ثقافة الزلة اللغوية"… هل نحن أمام وزير يقرأ؟



منذ أن ظهر المهدي بنسعيد في الندوة الصحفية الخاصة بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، بدأ يتكشف لنا المشهد بوضوح أكبر عن الرجل الذي يظن أنه يحارب من أجل "ثقافة المغرب"، وهو الذي يبدو أنه يحارب من أجل "التسويق" أكثر من كونه يعمل من أجل حفظ وصون ثقافة هذا البلد.

 لكن ما حدث في تلك الندوة الصحفية هو أمر لا يمكن السكوت عليه، فهو يلامس أكثر من مجرد تفاصيل صغيرة أو أخطاء عابرة، بل يضعنا أمام صورة مرعبة عن حال الثقافة في بلادنا، حال تتجسد في ملامح الوزير الذي لا يعرف الفرق بين اللغة العربية الصحيحة وبين تلك الأخطاء التي تثير سخرية الجميع.

"العروض العارضة" و"العارضون غير المباشرون"... هل هذه هي الثقافة؟

لنبدأ من حيث يجب أن يبدأ الجميع. تلك الشاشة الضخمة التي كانت أمام الحضور، التي من المفترض أن تعكس وجه المغرب الثقافي، بدلاً من أن تُظهر لنا صورة براقة للمعرض الذي يفترض أن يكون الأهم في المملكة، صُدمتنا بتلك الكلمات التي يندى لها الجبين، لافتة لعلها من أغرب ما نراه في بلادنا. كلمة "العارضين" المرفوعة في غير محلها على الشاشة، وعبارات مثل "العارضون غير المباشرون" التي لم نفهمها بعد. في أي عالم لغوي هذه الكلمات تكون صحيحة؟ هل نحتاج إلى مترجمين حتى نفهم ما كتبوه على الشاشة؟! ثم هل يعقل أن مثل هذه الأخطاء اللغوية الكبيرة، التي يفترض أن تكون في الواجهة الثقافية الأولى للبلاد، تحدث دون أن يلاحظها أحد؟ الإجابة ببساطة هي أن الوزارة لا تقرأ ولا تراجع.

الوزير "الهابط" في مكالمة هاتفية خلال افتتاح المعرض

أما عن الوزير المهدي بنسعيد نفسه، فقد توافقت ردود فعل الشعب المغربي على تصرفه الغريب أثناء الجلسة الافتتاحية للمعرض. بدلًا من أن يكون منصب وزير الثقافة منصة ليتفرغ فيها لخدمة الثقافة المغربية، ظهر لنا وكأن الوزير في مكان آخر، لدرجة أن انشغاله بمكالمة هاتفية كان أهون عليه من الاهتمام بشؤون المعرض. هل يا ترى كان يتحدث مع مستشاره ليطمنه على أمور الثقافة؟ أم أنه كان مجرد "تسلية" تلهيه عن مهمته الأساسية؟ الجواب قد يكون غير مهم، لكن ما يهم هو أن الوزير الذي من المفترض أن يهتم بقضايا الثقافة كان مشغولًا بمكالمته. لكن لا بأس، فلنركن لهذا التصرف الغريب جانبًا، ربما كانت "الثقافة" قد أزعجت الوزير فجأة فتوجه لتلك المكالمة كي يهرب من تلك "الضوضاء الثقافية".

بين تصريحات المهدي بنسعيد ومعايير الجودة… أين هي الثقافة الحقيقية؟

توجه الوزير بالحديث عن معايير الجودة في تنظيم المعرض، قائلاً أن الوزارة تتبنى معايير عالية خلال عملية التعاقد مع الشركات المنظمة، وكأن الأمور كلها تدور في فلك المعايير العالية. لكن هل يا ترى المعايير التي تحدث عنها الوزير تشمل "جودة" اللغة التي يتم بها عرض المحتوى الثقافي؟ هل تضمّ "جودة" اهتمام الوزارة بالتفاصيل الصغيرة التي تساهم في خلق انطباع إيجابي لدى الزوار؟ إذا كانت هذه المعايير فعلاً "عالية"، فكيف نفسر الخطأ الفادح الذي وقع فيه المعرض؟ ألا يعني ذلك أن هناك خللًا ما في عملية التنظيم، بل ربما خللاً في فهم أهمية الثقافة بشكل عام؟

"وزارة الثقافة" أم "وزارة الأخطاء اللغوية"؟

هل يعقل أن يتم تنظيم معرض ثقافي بهذه الضخامة ويصبح مسرحًا لأخطاء لغوية فادحة؟ هل من المقبول أن يتحول حدث كبير مثل المعرض إلى ساحة تُذبح فيها اللغة العربية أمام عدسات الكاميرات؟ هنا تأتي السخرية الحقيقية. المعرض الذي يفترض أن يكون منصة للحديث عن الإبداع والفكر، أصبح مكانًا تسخر منه الكلمات والجمل غير المنطقية، وهذا يعود علينا بعواقب لا يمكن إخفاؤها. إذا كان الوزير وطاقمه لا يستطيعون ضمان أن يتحدثوا باللغة الصحيحة، كيف سيضمنون أن تكون الثقافة على مستوى تطلعات الشعب المغربي؟ هل يصبح الغياب اللغوي علامة فارقة في عهد هذا الوزير؟

"المنتج الثقافي" في المغرب… هل من حراس للغة؟

في النهاية، ما الذي يبقى بعد هذه "المهزلة الثقافية"؟ يبقى أن نواجه الحقيقة المرة. في بلدٍ يتغنى بتراثه اللغوي والثقافي، نصل إلى مرحلة أن أكثر الوزراء مسؤولية عن الثقافة لا يتقنون حتى لغة الضاد. وفي الوقت الذي يتباكى فيه البعض على ضعف المراجعة اللغوية، نجد أن وزيرنا المثالي غارق في مكالماته الهاتفية ولا يتنبه لهذه الكوارث اللغوية التي تتعرض لها ثقافتنا، وكأنها مجرد "تفاصيل" لا تستحق الوقوف عندها.

إذا كان هناك شيء واحد واضح في هذه الفوضى، فهو أن ثقافة هذا الوزير لا يمكن أن تكون أفضل من لغة إعلاناته، فطالما أن اللغة العربية مهملة في مؤسسات الدولة، فليس غريبًا أن نعيش في ظل "ثقافة الكلمات المكسورة".

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال