اعتداء دموي على نائب عمدة سلا في قلب المدينة العتيقة: وعود انتخابية تتحوّل إلى عنف في زمن الخيبة

 


لم يكن نائب رئيس جماعة سلا، محمد النجار، يتوقّع أن تنتهي جولته الميدانية إلى "سوق الغزل" مساء الثلاثاء 15 أبريل، على سرير في المستعجلات، وجروح غائرة على مستوى الرأس والكتف، بعد أن استقبله أحد "ناخبيه" بسلاح أبيض بدل التحية.

الحادثة، التي وصفتها مصادر أمنية بـ"الخطيرة"، وقعت حين كان النائب المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة يقوم بجولة تفقدية رفقة عدد من المسؤولين المحليين، في إطار ما بدا أنه محاولة لإظهار وجود ميداني للمجلس وسط انتقادات واسعة لأداء المنتخبين المحليين. لكن، في لحظة مفاجئة، تحوّلت الجولة إلى ساحة هجوم مباغت من طرف شاب كان قد اشتغل مع النجار في الحملة الانتخابية، وطالما انتظر وفاء بوعد قطعه له هذا الأخير بفرصة عمل، ظلّت عالقة في الهواء كما الكثير من الوعود التي تُلقى في سوق السياسة بلا نية الوفاء.

الغضب يتحوّل إلى دماء

الشاب، البالغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا، لم يهاجم النجار اعتباطًا. بحسب مصادر مطلعة، كان يتردد باستمرار على مكتب النائب داخل الجماعة، يطالب بما وعد به، يتمسّك بالكلمة التي استُدرج بها، مثل كثير من شباب الأحياء الشعبية الذين صوّتوا لآمال لم تأت، ووضعوا ثقتهم في أناس لا يتذكرونهم إلا قبيل التصويت.

بعد أن بلغ به الإحباط مبلغه، ترصّد الرجل للمسؤول المنتخب، وفي لحظة انهيار أعصاب، استلّ سلاحًا أبيض، وهاجم النجار موجهًا له طعنات تسببت في إصابات بليغة، استدعت نقله على عجل إلى المستشفى، وسط ذهول مرافقيه.

مطاردة... ورصاصات في الهواء

المعتدي لم يكتفِ بما فعله، بل حاول الفرار، قبل أن تتمكن عناصر الشرطة من رصده قرب شاطئ سلا. المثير أن المتهم، وبدل أن يستسلم، واجه الأمن بشراسة، ملوحًا بسلاحه الأبيض في وجههم، ما اضطر العناصر إلى إطلاق رصاصات تحذيرية في الهواء. وبعد لحظات من التوتر، تمت السيطرة عليه وتجريده من السلاح، ليتم وضعه تحت تدبير الحراسة النظرية بأمر من النيابة العامة.

السنتيسي: المعتدي يبدو “أحمق”!

في أول رد فعل رسمي، حاول عمر السنتيسي، رئيس المجلس الجماعي لسلا، التقليل من أبعاد الحادث، وصرّح لجريدة "آشكاين" أن المعتدي "يبدو أحمق ويعاني من اضطراب عقلي"، مشيرًا إلى أن حالة النجار مستقرة وأن إصاباته تركزت على مستوى اليد.

لكن خلف هذه اللغة التبسيطية، تكمن أسئلة ثقيلة تُطرح بإلحاح: هل كان الشاب مجرد مختل، أم أنه انعكاس لحالة غضب اجتماعي متفاقم؟ هل نعيش أولى مظاهر الانفجار الشعبي الصامت، حيث تتحول وعود الانتخابات إلى فتائل للعنف؟

وعود تُزهق... وثقة تنزف

الحادث يعيد إلى السطح واحدة من أعمق أزمات السياسة المحلية: الوعود الانتخابية التي تُوزع كما يُوزع السكر والدقيق، دون رقيب أو محاسبة. فما وقع في سلا ليس حادثًا فرديًا معزولًا بقدر ما هو علامة على تصدّع ثقة المواطن في ممثليه، وتحوّل الانخراط السياسي من أمل في التغيير إلى شعور بالخيانة.

فكم من شاب آمن بمرشح؟ وكم من صوت استُدرج بلغة كاذبة؟ وكم من سياسي جعل من المواطنين وقودًا لحملته ثم نسيهم عند أول مقعد وأول امتياز؟

ما وقع في سلا موجع، نعم... لكنه أيضًا كاشف. كاشف لمن يريد أن يرى كيف تنقلب السياسة في بلادنا إلى مسرح من السخرية الموجعة، حيث يصبح الضحية من آمن، والجاني من وعد، والمتفرج هو نحن جميعًا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال