إفريقيا تُعيد ترتيب أوراقها... هل اقتربت نهاية البوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي؟



إفريقيا تُعيد ترتيب أوراقها... هل اقتربت نهاية البوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي؟

تعيش القارة الإفريقية على وقع تحولات جيوسياسية عميقة، تعكس وعياً متزايداً لدى الدول الأعضاء بأهمية إعادة رسم خارطة التحالفات بما يخدم مصالح القارة الحقيقية. ومع توالي اعتراف دول إفريقية بمغربية الصحراء، بدءاً بغانا ثم مالي والنيجر قريباً، يبدو أن الطاولة باتت مهيأة لمراجعة الموقف الإفريقي من جبهة البوليساريو التي أُقحمت في الاتحاد الإفريقي بضغط من أنظمة كانت تُهيمن على القرار القاري في زمن مضى.

الاتحاد الإفريقي بين الماضي والحاضر

حين نتأمل سياق انضمام البوليساريو إلى منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حالياً)، نجد أن القرار لم يكن نابعاً من إرادة حقيقية للشعوب الإفريقية. بل كان ثمرة ضغوط مارستها أنظمة استبدادية آنذاك مثل نظام هواري بومدين (بوخروبة) في الجزائر ومعه القذافي والأسد وكاسترو، الذين سعوا إلى تصدير أيديولوجياتهم والتلاعب بقضية الصحراء المغربية كأداة لخدمة مصالحهم الضيقة.

اليوم، تغيرت المعطيات. إفريقيا الجديدة ليست هي إفريقيا السبعينيات والثمانينيات. أصبح الرهان على التنمية والاستقرار والتعاون الإقليمي أكبر من الانجرار وراء أجندات خارجية لا تخدم سوى زعزعة الاستقرار. والدليل هو أن دولاً إفريقية وازنة بدأت تُراجع مواقفها التاريخية من هذا النزاع المفتعل، لتصطف إلى جانب الحق المغربي المعترف به دولياً.

سقوط الأقنعة وملامح القطيعة

اعتراف غانا بالصحراء المغربية كان بمثابة رسالة واضحة بأن زمن التلاعب بمبادئ الاتحاد الإفريقي قد ولى. فغانا، المعروفة بثقلها السياسي داخل القارة، أبانت عن شجاعة دبلوماسية تعكس وعياً متزايداً بضرورة تصحيح مسار الاتحاد الإفريقي الذي أُقحم في نزاع مفتعل على حساب أولويات التنمية الحقيقية.

ومع انضمام دول أخرى مثل مالي والنيجر، التي بدأت تعلن تقاربها مع الموقف المغربي، فإن الكتلة الداعمة للبوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي بدأت تتقلص تدريجياً. هذا التحول يُثير سؤالاً جوهرياً: هل اقترب الوقت لاستبعاد جبهة البوليساريو من الاتحاد الإفريقي؟

لماذا يجب إعادة النظر في عضوية البوليساريو؟

وجود البوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي لا يخدم مصالح القارة، بل يُكرس حالة من الانقسام الداخلي ويُعيق تحقيق الأهداف التنموية. الجبهة ليست دولة ذات سيادة، بل كيان وهمي تُدعمه الجزائر لأسباب جيوسياسية معروفة. وهذا يتعارض مع ميثاق الاتحاد الإفريقي الذي يشترط أن يكون الأعضاء دولاً مستقلة ومعترفاً بها دولياً.

إفريقيا بحاجة إلى رؤية موحدة لمواجهة التحديات المشتركة، مثل التنمية الاقتصادية، مكافحة الإرهاب، وتغير المناخ. وبقاء البوليساريو داخل الاتحاد يُشكل عبئاً يشتت الجهود ويُبقي المنظمة رهينة نزاع مفتعل.

إفريقيا الجديدة تُعيد تعريف مواقفها

مع تعزيز العلاقات المغربية الإفريقية، عبر استثمارات استراتيجية ومبادرات تضامنية حقيقية، أصبح واضحاً أن القارة تتجه نحو مرحلة جديدة تُغلب فيها البراغماتية والوعي بالمصالح المشتركة. الرباط لم تعد فقط شريكاً اقتصادياً مهماً للدول الإفريقية، بل أيضاً حليفاً استراتيجياً يعمل على بناء نموذج للتعاون جنوب-جنوب.

ما يحدث الآن ليس مجرد تحولات دبلوماسية عابرة، بل هو تصحيح لمسار تاريخي كانت تُهيمن عليه أنظمة استبدادية انتهت صلاحيتها. ومع تزايد عدد الدول الداعمة لمغربية الصحراء داخل القارة، فإن استبعاد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي قد يصبح قريباً ضرورة ملحة تعكس إرادة الأغلبية.

الخلاصة: من الوهم إلى الواقعية

إفريقيا اليوم تُثبت أنها قارة ديناميكية تعيد ترتيب أولوياتها وفق مصالح شعوبها. ومع توالي اعترافات الدول بمغربية الصحراء، فإن البوليساريو تُصبح أكثر عزلة من أي وقت مضى. استبعادها من الاتحاد الإفريقي ليس فقط مطلباً مغربياً، بل خطوة نحو تحرير المنظمة من الأوهام والانخراط في مسار أكثر واقعية يخدم القارة ككل.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال