في زمن أصبح فيه القلم ثقيلًا على البعض، تواجه الصحافية حنان بكور حكمًا بالحبس موقوف التنفيذ وغرامة مالية، وكأن الكلمات باتت أشد خطرًا من الأفعال. هذا الحكم الذي أيدته محكمة الاستئناف بالرباط ليس مجرد قرار قانوني، بل هو رسالة واضحة بأن صوت الحق يُزعج، وأن حرية التعبير لم تعد تُرحب في هذه البلاد كما يجب.
صحافية خلف القضبان الرمزية
حنان بكور، صاحبة مسيرة مهنية تتجاوز 15 عامًا، وقفت أمام المحكمة ليس كفرد، بل كرمز لحق الصحفي في التعبير عن رأيه. كلماتها الأخيرة قبل النطق بالحكم كانت صرخة في وجه محاولات التكميم. لم تدافع عن نفسها فقط، بل عن مهنة بأكملها، مهنة أصبح فيها التعبير عن الرأي مغامرة قد تُكلفك كثيرًا. قالتها بوضوح: "لا أتمنى أن يسجل اسمي في ملف يسيء لبلدي". هذه الجملة وحدها كافية لتُظهر مدى التناقض. هل يُمكن لصحفية تحترم عملها وبلدها أن تُدان بهذه الطريقة؟
حكومة "الحمامة".. جناحاها أم مقصّها؟
منذ وصول حزب التجمع الوطني للأحرار إلى سدة الحكم، أصبح مشهد التضييق على الصحفيين أمرًا مألوفًا. الحزب الذي يُفترض أنه يمثل حرية الرأي والتعددية السياسية، يظهر اليوم وكأنه يُحاول قص أجنحة كل من يخالفه. دعوى الحزب ضد حنان بكور ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من المتابعات القضائية، كان أبرزها متابعة وزير العدل عبد اللطيف وهبي للصحفي حميد المهداوي. يبدو أن الحكومة لم تعد تكتفي بالسيطرة على السلطة التنفيذية، بل ترغب في وضع يدها على السلطة الرابعة أيضًا.
حين تتحول القوانين إلى أدوات قمع
القوانين التي كان يُفترض أن تكون حماية للمجتمع وحقوق الأفراد، أصبحت أداة بيد الحكومة لإعادة تشكيل المشهد الإعلامي على هواها. التحكم في الدعم العمومي واستغلال التشريعات لإضعاف المؤسسات الإعلامية المستقلة ليست سوى وجه آخر للسيطرة. الصحافة الحرة اليوم تُحارب على جبهات عدة، من التضييق المالي إلى المتابعات القضائية، والهدف واضح: إسكات الأصوات الحرة وإفساح المجال للأصوات المقربة من السلطة.
هل ماتت حرية التعبير؟
السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه اليوم: هل ما زالت حرية التعبير قائمة في المغرب؟ أم أن الحكومة الحالية دفنتها تحت ركام القوانين والمحاكم؟ لا يمكننا أن نُنكر أن هناك صحفيين ما زالوا يقاومون، لكن الثمن أصبح باهظًا. الصحافة ليست جريمة، والتعبير عن الرأي ليس تهمة، لكن يبدو أن البعض يرى في القلم سلاحًا يجب تدميره.
من يدفع الثمن؟
في كل هذه المعركة، من يدفع الثمن؟ الصحفيون بالتأكيد، لكن أيضًا المجتمع بأسره. عندما تُكبل الصحافة، يُحرم الشعب من حقه في المعلومة، وتُغلق أبواب النقاش العام. الحكومة التي تُحارب الصحافة الحرة تُحارب في الحقيقة الديمقراطية. ومهما حاولت أن تُزين خطابها بشعارات الحرية والحقوق، فإن أفعالها تكشف عكس ذلك.
نهاية الكلام.. لكن ليست نهاية القضية
حنان بكور ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ما دام هناك من يرى في الصحافة الحرة تهديدًا لوجوده. لكن الصحافة ستظل واقفة، لأن الحقيقة لا تموت، وإن خُنقت. القلم الذي كتب عن حنان سيكتب عن غيرها، ولن يتوقف حتى يُعيد للصحافة كرامتها ومكانتها، مهما كانت التكلفة.